دور القادة في التصدي لسلوكيات الموظفين السيئة

دور القادة في التصدي لسلوكيات الموظفين السيئة

القادة ومديرو الشركات لديهم ما يكفي من الأعباء للتركيز عليها، لكن ربما يأتي على رأسها ضرورة التصدي للمشكلات الناجمة عن ممارسة السلوكيات السلبية في مكان العمل. التغلب على هذا التحدي بنجاح يقتضي توفير الدعم والتدريب والتوجيه اللازمين للقادة.

دور القادة في التصدي لسلوكيات الموظفين السيئة

دور القادة في التصدي لسلوكيات الموظفين السيئة

ما هي المشكلات التي نواجهها؟

وفقاً لجمعية إدارة الموارد البشرية، فإن ممارسة السلوكيات السلبية في مكان العمل تتسبب في مشكلات عديدة للموظفين والشركة على حد سواء، مثل المعارضة، والسلبية، وعدم المشاركة.

السلوكيات الهدامة تؤثر سلبياً على الموظفين، وتقودهم إلى العزوف عن المشاركة. عندما تقع مثل هذه السلوكيات أمام جموع الموظفين، ينعكس ذلك عليهم، فمنهم من يتجنب الذهاب إلى العمل بادعاء المرض للإبلاغ عن إجازات مرضية متتالية. إذا شعر هؤلاء الموظفون أن الإدارة تتساهل مع هذه السلوكيات وتفسح المجال لاستمرارها، ستستمر لديهم حالة انعدام الرغبة في المشاركة، وستنخفض إنتاجيتهم، بل وقد يصل بهم الحال إلى حد الاستقالة من الشركة. 

لذا فمن المهم أن يتصدى القادة إلى هذه المشكلات لدرءها، لكن كما يُقال: “ما أسهل القول وما أصعب التنفيذ”. التصدي للمشكلات السلوكية في مكان العمل ينطوي على تحديات عديدة، فمثلاً يكون التعامل مع هذه المواقف مشوباً بالحرج وعدم الارتياح، لأن الأمر يختلف عن مخالفة أحدهم لقاعدة صريحة، فذلك لن يتطلب سوى الإشارة إلى لائحة أو سياسة لتعزيز الإجراء التصحيحي.

أمَّا التصدي لتصرف غير مستحب، أو اعتداء دقيق، أو النظر شزراً لزميل، فليس مشكلة صريحة أو مباشرة. أيضاً، فإن المديرين غالباً ما يغُضُّون الطرف عن مثل هذه الوقائع أو يتعاملون معها بتهاون على اعتبار أن الموظف يمر بيوم عصيب. ربما يقول المديرون لأنفسهم: “من المؤكد أن الموقف لم يكن بهذا السوء”. في الحقيقة، إن الأمر أسوأ مما يتخيلون لأن السماح باستمرار هذه السلوكيات السلبية سيمهد السبيل إلى ترسيخ ثقافة سامة.

كيفية تحديد الأثار السلبية 

إذن كيف تُحدِّد آثار السلوكيات السلبية في مكان العمل، وكيف تعرِف هل سيترتب عليها مشكلات جوهرية من عدمه؟

الخطوة الأولى هي الاستعانة بجميع المقاييس المتاحة في مجال الصناعة، وتحليل الاتجاهات كافة. هَب أن موظفاً جديداً قد التحق بفريق عمل بعينه، وأنك لاحظت زيادة مباغتة في معدل الدوران لهذا الفريق، واستشعرت أيضاً انخفاضاً ملحوظاً في معدلات استقصاء الرضا الوظيفي لدى أعضاء الفريق. هنا عليك أن تتعمق في تقصي الحقائق لتحكم بنفسك هل سلوكيات الموظف الجديد لها صلة بالأمر.

احرِص على متابعة أي تغييرات تطرأ على المقاييس الاخرى، مثل:

  • عدد مقابلات ترك الخدمة
  • نتائج خدمة العملاء أو الضيوف
  • معدل الدوران لفريق محدد أو إدارة بعنيها
  • مقاييس الإنتاجية

التصدي للمشكلات السلوكية للموظفين

تخيل الموقف الآتي: مدير يدخل المكتب، ويخبرك برغبته في فصل موظف، لأنه سيئ السلوك وكسول وكثير الشكوى عند تكليفه بأي عمل. أي إنه باختصار لا يُنجِز الأعمال المُسنَدة إليه أبداً.

ما هي حقيقة الأمر؟

ادرِس سلوكيات مكان العمل بحثاً عن الأسباب الجذرية. وفقاً لجيسون فان كامب الكاتب وعضو مجلس الأعمال بمجلة فوربس، من الواجب على المديرين “التوصل للسبب المؤدي إلى هذا السلوك، واتخاذ القرار بشأن إمكانية معالجة المسألة من عدمه. السبب في أغلب السلوكيات السيئة يُعزى إلى مشكلات التواصل أو سوء الفهم من جانب أحد الأطراف. 

إذا كان من الممكن إصلاح الموقف، حاول أن تحلَّه مع الموظف وحدكما أو بالتنسيق مع باقي أفراد الفريق ككل. أمَّا إذا كانت المسألة خارج نطاق السيطرة، فعليك أن تتصرف بسرعة لتحجيم هذا العنصر السيئ، والسيطرة عليه، بل وفصله في النهاية إن لزم الأمر خشية تفاقُم الوضع”.

يُفضَّل أن تتحدث مع هذا الموظف على انفراد لكي تتعرَّف على ما يأتي:

  •  ما الدافع وراء سلوكه
  • ما السبب وراء عدم أدائه لمهمة معينة
  • ما السبب وراء عدم قيامه بعمله على أكمل وجه

التواصل مع الموظف ومناقشة الأمور معه تساعدك على إدراك العوامل الخارجية التي تؤثر فيه. رغم أن القادة ليسوا مستشارين مُدرَّبين، فإنهم لا يزال بإمكانهم الانصات لموظفيهم، والتعاطف معهم، وتوجيههم إلى الموارد التي تنفعهم، مثل برنامج مساعدة الموظفين، أو مساعدتهم بأي شكل، مثل منحهم الإذن بالغياب، أو بأي وسيلة أخرى من وسائل المساعدة المهنية.

وفقاً لتوصيات خبيرة الموارد البشرية دينيس دوماين التي عبرت عنها بقولها: “عليك ألَّا تأخذ الأمور على ظاهرها إطلاقاً. ربما تظن أن زميلاً قد أصبح صعب المراس، لكنه في حقيقة الأمر يعاني من الإحباط بسبب مشروع ما، وعليه فإذا استطعت حل هذه المشكلة، فقد تتمكن من تغيير الوضع كلياً.”

لنستعرِض بعض الأسئلة التي يُمكِن طرحها على الموظف لمساعدته على اكتشاف السبب وراء سلوكه غير المقبول:

  • هل بحوزتك المستلزمات والأدوات اللازمة لإنجاز عملك بنجاح؟
  • هل تدرَّبت على الخطوات اللازمة لأداء هذا العمل على أكمل وجه؟
  • هل تمتلك المهارات اللازمة لتنفيذ المهام التي تدرَّبت عليها؟
  • هل أخبرك أحدهم أنك لا تتبع الخطوات الصحيحة، وأوضح لك كيف تُنفِّذها بصورة صحيحة؟
  • حدثني عن مناوبتك المعتادة، ما الذي يسير فيها على ما يرام؟ وما هي الأشياء التي تحتاج إلى الحصول على دعم فيها؟
  • هل تستمتع بأداء العمل المُسنَد إليك؟
  • هل هذه الوظيفة تلائم توقعاتك؟

أحياناً لا يحصل الموظفون على الإعداد الكافي للنجاح، وربما تنحصر المشكلة في حاجتهم إلى التدريب الكافي أو الأدوات اللازمة، وربما أيضاً أن عدم حصولهم على ما يحتاجون إليه يجعلهم فريسة للإحباط. إذا لم يستمتع الموظفون الجُدُد بعملهم أثناء الأشهر الثلاثة الأولى، أو إذا أصيبوا بالإحباط جراء العقبات أو نقص التجهيزات، فاعلم أنهم سيرحلون ليحاولوا مجدداً في مكان آخر.

الموظف الجديد لا يتولد بداخله الشعور بالالتزام تجاه الشركة سريعاً. كما أنه لم يُؤمَن عليه، ولم يجتز فترة الاختبار بعد، أي إن الصفقة لم تنتهِ بعد. نتيجة لذلك، ينتهي الحال بالموظف الجديد إلى أن البدايات تنذر بالنهايات، وأن الأمور لن تتحسن سريعاً. لذا فمن الأسهل له أن يجرب العمل في شركة أخرى.

في أحيان أخرى، تُعزى المشكلات السلوكية السلبية في مكان العمل إلى عدم الوفاء باحتياجات الموظف، مما يترتب عليه إثارة مشكلات سلوكية كالتصارع وبطء العمل وسوء التصرف.

الاحتياجات العامة للموظفين تتضمن:

  • الإنصات لهم
  • التقدير الكافي
  • الشعور بالثقة
  • الإحساس بالأمان
  • الشعور بالقبول والإحساس بالانتماء
  • الاحترام المتبادل
  • الأجر العادل والملائم

الوفاء باحتياجات الموظفين من صميم مسؤوليات القادة، لذا فعليهم أن يتطرقوا إلى الاحتياجات التي لم تُلبَّى لمناقشتها في اجتماعات الإدارة وجلسات مجموعة التركيز وجلسات التدريب. يُمكِن القيام بذلك من خلال استقصاءات الموظفين السرية أو أثناء الدردشات الفردية. سيُمكِّنك ذلك أيضاً من إرساء استراتيجيات السلوك الإيجابي في مكان العمل.

حسبما ذكر روبرت بريل من بريل ميديا: “رغم عدم قدرتنا على تقويم جميع السلوكيات السيئة، فإننا نُتيح لموظفينا بالفعل فرصاً لتصحيح تلك الأنماط السلوكية من خلال التدريب والحوارات الفردية والتوجيه فيما يتعلق بكيفية التحسين.”

كيف نتصدى للسلوكيات السلبية في مكان العمل؟

إدراك ضرورة تقويم السلوكيات السلبية لموظف شيء، وتقويم هذه السلوكيات بالفعل شيء آخر تماماً. مرة أخرى، لا أحد يستمتع بالتصارع، فمن المحرج أن تخبر موظفاً أن سلوكه مرفوض أو أن تعليقه يتجاوز الحدود أو أنه يُنغِّص حياة الآخرين. يزداد الأمر حرجاً إذا جاء رد فعل الموظف عدوانياً أو إذا كان المشرف عليه لا يعرِف كيف يتصدى لهذا السلوك.

غير أن الأمر لا يُمكِن تجاهله، وإلا أدى إلى نشوب كارثة يستعصي حلها في مكان العمل.

لكي تُفلِح في تقويم السلوكيات السيئة، احرِص على توعية القادة بالخطوات الفعالة لإبداء الملاحظات التقييمية، مثل كيفية القيام بالتوجيه الفوري، فالقادة بحاجة إلى إرشادات للتواصل بشكل مهني يتمسكون فيه بالمبادئ، كما أنهم بحاجة أيضاً إلى فرص تتيح لهم أداء أو ممارسة أدوارهم.

لنتخيل أن مديراً آخر من مديري الموارد البشرية يرغب في إبلاغ موظف بضرورة تعديل سلوكه، وعليه فسيقوم باستدعاء الموظف إلى مكتبه، ويعرِض عليه خطة لتحسين الأداء ويطلب منه قراءتها وتوقيعها.

تخيل أثر ذلك على الموظف. هل طُرِحت عليه أسئلة حول الموقف أو أُتيحت له الفرصة لكي يروي القصة من وجهة نظره؟ كيف سيكون شعوره بعد نهاية هذا النقاش؟ هل سيتولد بداخله حافز للتغيير؟ الإجابة على الأرجح هي لا. إذا أسفرت هذه المقابلة عن شيء، فإنها لن تسفر إلا عن إثارة استياء الموظف مما يؤدي إلى تفاقم سلوكه السلبي.

يُفضَّل الإكثار من جلسات مناقشة الإجراءات التصحيحية والتقليل من عدد المخالفات التي تستدعي توجيه إنذار كتابي. وفقاً لبير كانديس بورتر مؤسِّسة شركة Effective Flow Connections: “على القادة مراعاة السرعة والسرية عند تقويم السلوكيات السيئة.”

 الحل هو معالجة الأمور بسرعة. تخيل كم مرة سيتكرر السلوك نفسه إذا انتظر القائد ولو بضعة أسابيع.

في النهاية، عندما يُشار إلى الأمر، سيتساءل الموظف لماذا لم يخبره أحد حتى هذه اللحظة أن سلوكه كان خاطئاً، مما سيولِّد لديه احساساً بالحرج أو الخجل أو الغضب بدون داعي.

مما ينذر بالخطر أيضاً أن القيادة عندما تتهاون مع أي سلوك سيئ أو تعليق جارح أو اعتداء دقيق تجاه زملاء العمل، فإن ذلك لن يمر على الآخرين مرور الكرام، مما سيثير الظنون لديهم بأن هذا السلوك مقبول.

يترتب على ما سبق إرساء ثقافة سلبية متهاونة مع السلوكيات السيئة، فردود الأفعال البطيئة تؤدي إلى تفاقم الأوضاع ووصولها إلى حد التنمر، وإثار نفور الموظفين، وتناقص أعداد الموظفين الأكفاء. إذا لم يخش الناس العواقب، فما الذي يمنعهم من تكرار السلوك السيئ أو محاكاته؟

أولِ اهتماماً خاصاً للاعتداءات الدقيقة – أي الزَّلَّات الدقيقة التي قد تكون غير مقصودة لكنها لا تزال مصدر إزعاج للآخرين.
وفقاً لمجلة هارفارد بيزينس ريفيو، “الحقيقة أن الاعتداءات الدقيقة لا يُمِكن الاستهانة بآثارها، وعليه فإنها يجب أن تُؤخَذ على محمل الجد، لأنها تُعَدُّ في الأصل دليلاً على الازدراء، كما أنها تعكس التمييز والتفرقة.”

ربما لا تُشكِّل الاعتداءات الدقيقة انتهاكاً واضحاً للقواعد حتى أن بعض القادة يتعاملون معها على اعتبار أنها مجرد تعليقات بسيطة أو أنها مواقف لا تستحق إهدار الوقت في مناقشتها، غير أنها تستحق المناقشة بالفعل، لأن الاعتداء الدقيق أشبه بجرح صغير يؤلمك رغم أنه ليس بإصابة خطيرة.

ماذا لو أُصِبت كل يوم بجرح في نفس الموضع جراء الاحتكاك بحواف الورق. سيتحول هذا الجرح إلى شق عميق في غضون فترة قصيرة. ذلك هو الضرر نفسه الذي سيقع على الآخرين إذا ما سُمِح بالاستمرار في السلوكيات السلبية في مكان العمل.

من الصعب التعامل مع مشكلات مكان العمل، ولاسيما السلوكية منها. إرساء استراتيجية صحية لإشراك الموظفين تُنفَّذ مع مرور الوقت بمعرفة القادة على كافة المستويات سيسهم في توجيه الدفة نحو مكان عمل إيجابي وجاذب للموظفين. 

ابدأ بتقييم ذاتي للعلاقات التي تربط موظفي الشركة بعضهم ببعض، وضَع استراتيجية السلوك الإيجابي في مكان العمل. حلِّل المقاييس بحثاً عن الاتجاهات، وشكِّل مجموعات تركيز من الموظفين لجس نبض فريق العمل. تأكَّد أن لائحة الشركة وسياساتها تُولِي اهتماماً كبيراً للسلوكيات الإيجابية في مكان العمل.

درِّب القادة على التواصل بشفافية، والتصدي بسرعة للسلوكيات السلبية في مكان العمل، وشدِّد على أهمية التوجيه السريع والقيادة الحازمة والعادلة.

المقال التالي
المقال السابق
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

اشترك في نشرتنا الدورية

انضم إلى أكثر من 80,000 من خبراء الموارد البشرية واحصل على أفضل النصائح والإرشادات المتعلقة بالتدريب والتوظيف مباشرة على بريدك الإلكتروني. انضم وكُن من أفضل مديري الموارد البشرية الآن.

حدد المواضيع التي ترغب في الاشتراك فيها