كيف تُساعد القادة في الحفاظ على الذكاء العاطفي خلال الأوقات العصيبة؟

كيف تُساعد القادة في الحفاظ على الذكاء العاطفي خلال الأوقات العصيبة؟

يُعد الذكاء العاطفي والاستعداد العقلي للتعامل مع الأزمات من أهم الأدوات في حياتنا الشخصية والعملية. وقد كانت الأحداث التي وقعت عام 2020 من أهم اختبارات المرونة العقلية التي واجهها هذا الجيل، حيث أصبح الاستعداد النفسي والصحة النفسية، في الكثير من الحالات، في مقدمة الأولويات في جميع المؤسسات لأول مرة خلال جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)

لقد تعلَّمنا من أحداث 2020 أن نستعد جيداً تحسُّباً لحدوث أي أزمات، لكن الاستعداد يعني ما هو أكثر من تجهيز عدة الطوارئ والتأكد من وجود مخزون كافٍ من ورق المرحاض. وعلى نحو مشابه، تتطلب براعة القيادة أكثر من مجرَّد الذكاء والحسم. ففي الأوقات العصيبة، يجب أن تتوفر لدى القادة والمديرين أدوات عملية لاستخدام ذكائهم العاطفي ودعم الآخرين.

كيف تساعد القادة على الحفاظ على الذكاء العاطفي خلال الأوقات العصيبة

كيف تساعد القادة على الحفاظ على الذكاء العاطفي خلال الأوقات العصيبة

 

لا يلغي استخدام الذكاء العاطفي أهمية المشاعر في عملية اتخاذ القرار ولا يقلل منها، لكنه يتعلق بفهم هذه المشاعر وإدارتها والتعاطف معها. ستجد أن بناء ثقافة تدعم الذكاء العاطفي وتُنمِّيه أمراً يعزز علاقتك مع موظفيك ويحسِّن ثقافة العمل في مؤسستك.

القادة الذين يستخدمون أساليب الذكاء العاطفي أكثر نجاحاً من القادة الذين يستخدمون أساليب القيادة القائمة على السيطرة. يشمل الذكاء العاطفي عدة سمات، أكثرها شيوعاً هي الصدق والتعاطف والوعي بالذات وتقبُّل النقد والقدرة على التسامح ومدح الآخرين. لقد تم تجاهل هذه السمات من قبل باعتبارها مهارات شخصية، لكنها تُعرف حالياً بأنها من المهارات الأساسية للعمل والحياة.

توصَّل دانيال جولمان، الأستاذ بجامعة هارفارد، مع باحثين آخرين إلى أن الذكاء العاطفي يُعد مؤشراً مهماً لنجاح المديرين التنفيذيين، بل ويُعد أكثر أهمية من القدرات الذهنية والكفاءة الفنية.

قد يتسبب ضَعف الذكاء العاطفي لدى القادة في الإضرار بالموظفين وعائلاتهم أيضاً. كما أن أساليب القيادة القائمة على السيطرة، التي تستخدم التلاعب أو التهديدات، نادراً ما تؤدي إلى تحسين أداء الموظفين على المدى الطويل. وغالباً ما يتعرَّض القادة الذين يتبعون هذا الأسلوب للانتقادات العلنية على شبكة الإنترنت، ما قد يؤثر سلباً في سمعة الشركة.

يجب أن يتحلى أفضل القادة “بالذكاء في التعامل مع الآخرين”، وليس فقط الذكاء المتعلق بالقدرات الذهنية، أي يجب أن يتمتعوا بقدر عالٍ من الذكاء العاطفي، لذلك أعددنا أساليب استخدام الذكاء العاطفي التالية لمساعدة القادة والمديرين في إدارة المواقف الصعبة وتعزيز الأداء ورفع الروح المعنوية للموظفين خلال فترات التوتر الشديد.

استخدام أساليب التواصل الصحية لقيادة الأشخاص والمؤسسات

يهتم القادة الذين يتمتعون بمستوى عالٍ من الذكاء العاطفي بالتواصل مع أعضاء فريقهم والتفاعل معهم بانتظام، لكن مع انتشار العمل عن بعد في الكثير من الشركات حالياً، أصبح تطبيق أسلوب التواصل المستمر أكثر صعوبة.

لكن التواصل المستمر وحده ليس كافياً، بل أسلوب التواصل أيضاً لا يقل عنه أهمية. مثلاً، استخدام أسلوب النقد المصغر أو الترهيب أو الصوت العالي من الأساليب السلبية للتواصل. بدلاً من ذلك، شجِّع المديرين على بناء الألفة مع فِرَقهم، ووضِّح لهم بعض التمرينات التي قد تساعدهم في التقرب إلى الموظفين على المستوى الشخصي. تأكد أيضاً من أنهم يمدحون الموظفين ويُعبِّرون لهم عن امتنانهم على تنفيذ المهام بنجاح، وأنهم يستمعون لما يريد أن يقوله الموظفون في المقابل.

مَنح الأولوية للعلاقات الداخلية والخارجية

قد يبدو واضحاً أن التواصل بشكل أفضل يساعد على توطيد العلاقات مع الموظفين، لكن مع الانشغال بمهام العمل الكثيرة وعلى الأخص في حالة العمل عن بُعد، قد يسقط الذكاء العاطفي من الحسبان أو يتم تجاهله عن عمد من أجل تحقيق الأرباح. يجب أن يسعى القادة إلى إعداد نماذج عمل تُعزِّز العلاقات الداخلية والخارجية وتمنحها الأولوية باستمرار. باستخدام الأدوات المناسبة، يستطيع أي شخص الحفاظ على الذكاء العاطفي، حتى مع العمل عن بعد.

تطوير الذكاء العاطفي يستغرق الوقت والجهد. يجب أن يعمل القادة على تحسين ذكائهم العاطفي أولاً قبل مشاركة ما تعلَّموه مع بقية فريق العمل في الشركة. منح الأولوية لهذه المهارة واستثمار الوقت المطلوب ووضع الخطة المناسبة يضع القادة على المسار الصحيح. احرص على توفير بيئة تشجع القادة وفرق العمل وتساعدهم في تحسين حالاتهم الشعورية من خلال اكتشاف الذات وتطويرها بشكل منتظم.

توفير أدوات تساعد القادة على فهم أنفسهم والآخرين

لقد توصَّل جيم كولينز، مؤلف كتاب BE 2.0، إلى أن كبار القادة في عصرنا الحالي يعملون باستمرار على تطوير شخصياتهم على المستويين الفكري والشعوري. لا يتمتع الجميع بنفس المستوى من الذكاء العاطفي، الذي يمكن أن يكون سمة فطرية في الإنسان، مثل التعاطف، لكن مستوى الذكاء العاطفي الذي يتمتع به المرء يأتي عادة من التنشئة أو كيفية تعامل الوالدين أو الكبار الآخرين في المواقف المثيرة للتوتر.

الذكاء العاطفي مهارة قد يتمتع بها أي شخص ويعمل على تحسينها من خلال تخصيص بعض الوقت والجهد لتحقيق ذلك، وتبدأ أولاً بالوعي الذاتي. خصص بعض الوقت لتجلس مع المديرين وتطلب منهم تقييم وضعهم الحالي ومستوى ذكائهم العاطفي، وإذا كانوا مستعدين لتلقِّي النقد البنَّاء، اطلب منهم محاولة الحصول على الآراء والتعليقات من مصدرٍ موثوق. وللحصول على تقييم محايد، يمكنك إجراء تقييم مهني للشخصية، لمساعدتهم في فهم نقاط القوة والضعف لديهم.

مطالبة القادة بتدوين محفزاتهم الانفعالية

المحفز الانفعالي هو الشيء الذي يثير الشعور بالانزعاج أو التوتر، وقد يكون المحفز ذكرى أو واقعة أو فِعلاً معيناً. من المهم أن يعرف الجميع، وخاصة القادة، محفزاتهم الخاصة والفريدة ويفهمونها. امنح القادة بعض الوقت للتفكير فيها وتدوينها دون أن يطلع عليها أحد. وبمجرَّد إدراك القادة لمحفزاتهم، يمكنهم تقدير رد فعلهم عليها، سواء كان بالغضب أو الخوف أو الشعور بعدم الأمان. بعد ذلك، اطلب منهم التفكير في كيفية التحكم في الاستجابة لتلك المحفزات بشكلٍ أفضل.

تعزيز ثقافة التعاطف في الشركة

بصفتك قائداً، من المهم أن تفهم أن المحفزات والتجارب تختلف من شخصٍ إلى آخر. ويؤدي التعاطف، أو أن تضع نفسك مكان الآخرين، دوراً مهماً في الذكاء العاطفي. قد يواجه الموظفون صعوبات متعلقة بصحتهم وأسرهم وأحوالهم المالية وحياتهم الخاصة. ذكِّر القادة أيضاً أن العالم أجمع يواجه الآن وباءً عالمياً وأزمة اقتصادية، ومن الطبيعي أن تؤثر هذه العوامل الخارجية ومُسبِّبات التوتر في سلوكيات الموظفين وأدائهم في العمل.

مع انتقال الكثير من فرق العمل لأسلوب العمل عن بعد، أصبح من المهم الآن، أكثر من أي وقتٍ مضى، أن يتعاطف القادة والمديرون مع الموظفين عندما تؤثر حياتهم الشخصية على العمل. وفي حالة تراجع أداء أحد أفراد الفريق، اطلب من المدير أن يحاول معرفة السبب، وذكِّره بالتصرف بتعاطف أثناء التحدث إلى الموظف بدلاً من الإقدام على توبيخه مباشرة.

تعزيز المرونة

قد يتسبب التغيير في الشعور بعدم الراحة ويزعزع الشعور بالسلامة والأمان، لذلك من المهم أن تتخذ التدابير اللازمة لتخفيف شعور الموظفين بالقلق في أوقات التغيير أو الأزمات. تواصَل مع المديرين حتى يعرفوا أن التغيير فرصة لتحقيق النمو لهم وللشركة على حدٍّ سواء. قد تتغير الوظائف والمسؤوليات مع مرور الشركة بعملية إعادة هيكلة أو مراحل نمو سريع، لذلك اطلب من المديرين سؤال الموظفين عن آرائهم بشأن تعديل أدوارهم الوظيفية في ظل التغييرات الجارية في الشركة، فقد يتسبب شعور الموظفين بالتهميش في مقاومتهم للتغيير لأنهم يرون أنه أمر مفروض عليهم ولا يتم بالتعاون معهم.

التحفيز والإلهام

يمكن استخدام الذكاء العاطفي لتحفيز الأشخاص وإلهامهم من خلال مخاطبة مشاعرهم وذكائهم في نفس الوقت. اطلب من المديرين استخدام الاستراتيجيات التي حددناها لمساعدتهم في تحفيز فرق العمل وإلهامهم، وشجِّعهم على استخدام الوعي بالذات لفهم ما يحفزهم ويلهمهم، ثم اطلب منهم مشاركته مع فرق العمل. تواصَل مع فريقك باستمرار واسمح لهم بمساحة كافية للتعليق والنمو مع الشركة.

تأكد من التحدث إلى أعضاء فريقك والتقرب منهم لتتمكن من فهم ما يحفزهم وسبب اختيارهم العمل في شركتك. سيساعدك ذلك في تعديل أسلوبك الإداري بما يلائم أعضاء الفريق بمختلف طبائعهم.

احذر من الاحتراق الوظيفي

حتى القادة الذين يتمتعون عادة بالقدرة على التكيُّف قد يصلوا إلى مرحلة يرهقهم فيها القلق والتوتر. تُعرف هذه الظاهرة باسم الاحتراق الوظيفي، وقد تظهر في شكل إرهاق وقلق وشعور بتراجع معدل الإنجاز ومشكلات في الهوية الشخصية.

في العام الماضي، تفاقمت مشكلة الاحتراق الوظيفي، حيث أظهر بحث أجرته مجلة هارفارد بزنس ريفيو أن أكثر من 62% من الموظفين تعرَّضوا لمشكلة الاحتراق الوظيفي في خريف عام 2020. حتى القادة الذين يتحلون بالذكاء العاطفي ليسوا بمأمن من الاحتراق الشعوري، حيث يعاني الكثيرون من التوتر بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد.

من الأدوار المهمة التي يجب أن يؤديها مديرو قسم الموارد البشرية إدراك أن المواقف المُسببة للتوتر يمكن أن تؤدي إلى مشكلة الاحتراق الوظيفي. ولنساعدك بشكل أكبر على التعرف على مؤشرات الاحتراق الوظيفي ووضع استراتيجيات للحد من تعرُّض أعضاء فريقك له، يمكنك الاطلاع على هذا المقال الذي يتناول الاحتراق الوظيفي من حيث تعريفه وأفضل الاستراتيجيات للحد منه.

المقال التالي
المقال السابق
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

اشترك في نشرتنا الدورية

انضم إلى أكثر من 80,000 من خبراء الموارد البشرية واحصل على أفضل النصائح والإرشادات المتعلقة بالتدريب والتوظيف مباشرة على بريدك الإلكتروني. انضم وكُن من أفضل مديري الموارد البشرية الآن.

حدد المواضيع التي ترغب في الاشتراك فيها