تنمية عقلية قيادية بهدف تحقيق الاستقرار

تنمية عقلية قيادية بهدف تحقيق الاستقرار

في ظل عالم متقلب ومليء بالشكوك والتعقيدات والغموض، بات من الضروري تنمية عقلية قيادية. ويبدأ ذلك بمعرفة النفس حق المعرفة بحثاً عن الوضوح والرؤية.

عندما يجد المرء معناً لحياته وهدفاً واضحاً، يصبح لديه أساس مستقر يركن إليه في مواجهة التعقيد والتغير المستمر. حينها سيستطيع التكيُّف مع التغير وإلهام الآخرين وترك أثر إيجابي في البيئة المحيطة به.

تنمية عقلية قيادية بهدف تحقيق الاستقرار

تنمية عقلية قيادية بهدف تحقيق الاستقرار

ما هي العقلية القيادية؟

يُعرِّف موقع Dame international العقلية القيادية بأنها “تبَني مواقف ومعتقدات وتوقعات معينة من شأنها أن تُشكِّل أساساً لطبيعة شخصيتك، وكيفية قيادتك للآخرين، وكيفية تفاعلك مع زملائك وما تخلفه من أثر عليهم”.

إن تبني العقلية القيادية ضرورة إذ إنها تشكل رؤيتك للمواقف التي تحدث في بيئة العمل وتفسيرك لها وتفاعلك معها، كما أنها تحدد كيفية تصرفك في مختلف المواقف وأسباب تصرفك على هذا النحو. 

لننظر إلى مثال يوضح أهمية تبني عقلية قيادية. عندما يُقدم أحد المرؤوسين ملاحظة ينتقد فيها قرار رئيسه في العمل، يختلف رد الفعل من رئيس عمل إلى آخر. فإذا افترضنا تلقي اثنين من القادة لمثل هذه الملاحظة، قد يرى أحدهما أن ذلك تهديداً لسلطاته، بينما يراها الآخر فرصة للنمو والتعلُّم، لاختلاف عقلية كل منهما. الشخص الثاني هنا هو من يمتلك عقلية قيادية.

هذه العقلية تؤثر في:

  • تطورك الشخصي
  • تطور الموظفين الآخرين
  • أسلوبك في التفاعل مع الزملاء 
  • كيفية تعاملك مع التحديات
  • طريقة معالجتك للمشكلات واتخاذك للقرارات
  • رؤيتك للمستقبل

لماذا يجب أن تتبنى عقلية قيادية؟

تبَني هذه العقلية يجعل منك رائداً للتغيير، أي أن تكون شخصاً يلهم نفسه ومن حوله لإحداث التغيير.

لنفترض مثلاً أن مؤسستك لا تضع المشاركة المجتمعية ضمن أولوياتها، ولكنك تؤمن بأهميتها وتقدر قيمتها، لذلك تسعى إلى التواصل مع الزملاء الذين يتبنون الفكرة ذاتها وتطلب دعمهم لتشكيل مجموعة تطوعية داخل الشركة. بعد ذلك تطرح الفكرة على الشركة التي تعتمدها بدورها. لقد أصبحت رائداً للتغيير في هذا الموقف، حيث إنّك ألهمت الآخرين بقيمك وقيادتك لبدء عملية التغيير التي ستترك أثراً إيجابياً على العلاقات العامة في المؤسسة، بل وستساعد المجتمع المحلي وتبث مشاعر الألفة بين الموظفين. 

يستطيع أصحاب العقلية القيادية تحفيز فرق العمل وتمكين أفرادها من تقديم أفضل أداء ممكن. كما أنهم يحتفظون برباطة جأشهم عند مواجهة المواقف العصيبة ويتخذون قرارات صعبة ويجتازون المشاق بفعالية. 

إذا امتلكت هذه العقلية ستُقدِّر أهمية التطور الشخصي والجماعي، وسيظهر إتقانك للذكاء العاطفي في تعاملاتك. كما أنك ستتحمل مسؤولية تصرفاتك مما سيشجع الموظفين على تحمل المسؤولية أيضاً.

المهارات اللازمة للعقلية القيادية

من السمات المرتبطة بالعقلية القيادية التواصل بفعالية مع أفراد الفريق والزملاء والرؤساء والعملاء الخارجيين، حيث إن القائد سيحتاج إلى إلهام كل هؤلاء والتأثير فيهم قدر الإمكان. ذلك لأن القدرة على إلهام الآخرين عنصر أساسي في القيادة الحكيمة، وهذا ما يميز العقلية القيادية عن العقلية الإدارية. 

يضع القادة أهدافاً محددة وهم قادرون على توصيلها لفرقهم بوضوح ودقة. تخيل أن رؤيتك تتمثل في قيادة فريق ناجح لإنتاج عمل عالي الجودة، بوسعك هنا إبلاغ الفريق برؤيتك بأساليب مختلفة مثل: 

  • أن تركز باستمرار على جودة المنتج.
  • أن تُذكِّر الفريق بانتظام برؤيتك فيما يتعلق بجودة العمل
  • أن تشارك مع الفريق مقالات أو معلومات عن كيفية أداء العمل على مستوى رفيع من الجودة 
  • أن تطلب من أفراد الفريق مشاركة أفضل الممارسات 
  • أن تعقد جلسات عصف ذهني حول طرق تحسين جودة عمل الفريق

إذا أردت أن تتواصل بفعالية، فعليك التفكير بعناية فيما ترغب في قوله ومراعاة أفضل طرق التعبير عنه والسياق المناسب للموضوع الذي تتناوله. عندما تتواصل بفعالية، ستتمكن من نقل رؤيتك وقيمك لفريق العمل، ومن ثَم إلهامه لتبني نفس الرؤية والقيم. 

من المهارات التي تتمتع بأهمية كبيرة أيضاً المرونة العاطفية. يُعرِّف موقع BerkeleyExecEd المرونة العاطفية بأنها “السماح للأفكار والمشاعر (حتى السلبية منها) بالوجود دون التوقف عندها والتركيز عليها”. فيما يلي بعض الخطوات التي يمكنك اتباعها للتدريب على التحلي بالمرونة العاطفية:

لاحظ أنماط سلوكياتك. عندما يقدم لك أحدهم ملاحظات نقدية، كيف تنظر إلى الأمر وكيف تكون أفكارك؟ وإلى متى تظل عالقاً في هذه الأفكار؟ ما الذي يمكن أن يساعدك على الخروج من دائرة الأفكار السلبية؟ 

ضع مسميات لأفكارك ومشاعرك. ربما تشعر بالغضب إذا شكك شخص في تصرفاتك. في هذه الحالة، أطلق على هذا الشعور مسمى “الغضب” كي تتمكن من وضع مسافة بينك وبينه.

اقبل أفكارك ومشاعرك. ماذا لو كان صبرك ينفد كلما تحدثت مع أشخاص يميلون إلى الإسهاب في الحديث؟ بدلاً من تأنيب نفسك على هذا الشعور، اقبل نفسك كما هي ولكن لا تدع هذا الشعور يسيطر على تصرفاتك، وإلا فقد تأتي بتصرفات تندم عليها مثل أن ترفع صوتك في وجه أحدهم.

التزم بقيمك. ربما تكون ممن يقدرون الاحترام المتبادل على سبيل المثال، لكنك لا تبدي للبعض نفس القدر من الاحترام الذي يعاملونك به. بهذه الطريقة لن تكون ملتزماً بقيمك، لذا من المهم أن تكون واعياً بتصرفاتك وأن تهتم بضبط سلوكك. 

تساعد المرونة العاطفية القادة على اتخاذ القرارات المناسبة والتصرف على نحو ملائم، خاصة في المواقف العصيبة التي يتعرضون فيها للضغوط. كما أن المرونة العاطفية تُعد وسيلة فعالة لتدريب القادة على التحلي بالعقلية القيادية ومساعدتهم على تنميتها. 

لا نغفل أيضاً أن من سمات العقلية القيادية تمكين الآخرين ودعمهم، ولا سيما أعضاء الفريق. ومن الطرق التي يمكنك اتباعها لتمكين الفريق ودعمه هي إرساء ثقافة التوجيه والإرشاد داخل الفريق. فبدلاً من إعطاء التعليمات إلى أفراد الفريق أو تقديم الحلول لهم، اطرح أسئلة تساعدهم على التفكير واكتشاف الحلول بمفردهم ومن ثم بناء ثقتهم في أنفسهم، مما سيساعدهم على تبني عقلية إبداعية واكتساب مهارات حل المشكلات.

إذا أردت تحسين بعض الأمور، يمكنك تشجيعهم على وضع خطة عمل تتضمن:

  • هدف ذكي (أي محدد وقابل للقياس ويمكن تحقيقه وواقعي ومقيد بزمن)
  • خطوات محددة بإطار زمني
  • الموارد اللازمة لتنفيذ الهدف
  • المشكلات المحتمل ظهورها أثناء العمل على تحقيق الهدف وطرق التغلب عليها
  • مكافأة عند النجاح في تنفيذ الخطة

يعد التوجيه والإرشاد أسلوب قيادي داعم، لأنه يساعد الموظفين على تنمية مهاراتهم وتحمُّل مسؤولية تطورهم المهني. كذلك للتوجيه دور في تدريب الفريق على تبني عقلية قيادية. 

استراتيجيات تنمية العقلية القيادية

تقدم آمي لافكو الكاتبة وعضو مجلس فوربس للأعمال نصيحة للقادة بالتحلي بالتواضع، لأن “الثقة المفرطة قد تَحُول دون قبول المرء لأفكار وآراء الآخرين”. يستطيع القادة إبداء التواضع من خلال: 

  • معرفة نقاط قوتهم وحدود قدراتهم
  • الاستماع إلى آراء الآخرين، بما في ذلك النقد، بعقلية منفتحة
  • دراسة ما يتلقاه من آراء بصدق 
  • إدراك أخطائه والاعتراف بها عند اللزوم
  • النظر إلى أخطائه باعتبارها فرص للتعلُّم

من وسائل تشجيع ثقافة إبداء الرأي أثناء الاجتماعات أو جلسات العصف الذهني أن تحث الآخرين على طرح أفكارهم، خاصة هؤلاء الذين يتميزون في أمور تعلم أن قدراتك محدودة فيها. بيّن لهم كم تقدر أفكارهم وانتهج سياسة الباب المفتوح لتشجيعهم على التعبير عن آرائهم.

بالاستماع إلى من حولك، يمكنك اكتساب منظور جديد ربما لم تره من قبل. لذلك يُعد طلب الآراء والملاحظات من الآخرين والسعي من أجل التحسين من الأمور ضرورية لتنمية العقلية القيادية، لأن ذلك يشجع على الانفتاح على التغيير ويلهم الآخرين للاقتداء بهذا السلوك. 

إن القيادة بالقدوة جزء لا يتجزأ من تبني العقلية القيادية، فتصرفات القائد لها تأثير على ثقافة الفريق. مثلاً إذا كان القائد منضبطاً باستمرار، سوف يبدي احتراماً لوقت الآخرين، وغالباً ما سينتبه أعضاء فريقه إلى أهمية الوقت ويكتسبون عادة الانضباط أيضاً.

قد يسارع الناس إلى انتقاد الآخرين، خاصة إن كان مرؤوسوهم  هم من ارتكبوا هذه الأخطاء. فيما يلي بعض الأسئلة التي يمكنك التفكير فيها بدلاً من توجيه اللوم إلى آخرين:

  • هل أنا بذلك أشجع هذا السلوك بصفتي قائداً؟
  • ماذا كنت سأفعل لو كنت في ظروف مشابهة؟
  • كيف يمكنني دعم الفريق من أجل النمو والتطوير؟

عندما تتوافق أفعالك مع كلماتك ووعودك، ستكسب مصداقية الآخرين وثقتهم. القائد الناجح يعمل على تمكين المحيطين به، بدلاً من السعي إلى إحكام السيطرة عليهم، وذلك عن طريق البحث عن شتى الوسائل التي من شأنها أن تدعم تطوير الموظفين.

يمكنك تبني عقلية متطورة من خلال الالتزام بالتعلُّم المستمر. عندما تمتلك عقلية قيادية، ستسعى باستمرار إلى تطوير نفسك وكذلك تطوير الآخرين والمؤسسة ككل. 

القائد بحق لا يفترض امتلاكه لجميع الإجابات، بل يتعامل مع المواقف التي تواجهه بفضول وعقلية منفتحة، كما أنه يسعى إلى اكتساب المعارف الجديدة وتنحية أفكاره المسبقة جانباً، حتى يتمكن من الاستماع بصدق وانفتاح للآراء والملاحظات والمشورة.

تأمُّل الذات من الأدوات القوية أيضاً للتعلُّم المستمر. أنت في الغالب أكبر ناقد لنفسك، لذلك سيساعدك تأمل تصرفاتك وقراراتك على النمو والتطور كقائد.

على سبيل المثال، عند مواجهة تحدٍ جديدٍ، يمكن أن تتأمل كيف تغلبت على التحديات السابقة، بتدبر كل من الحلول التي توصلت إليها والأخطاء التي وقعت فيها، ومن ثم فكِّر فيما تعلمته من تبعات كل ذلك. سوف يشجعك هذا السلوك على مواجهة التحديات ويجعلك أكثر انتباها ووعياً عندما تواجه أي مواقف في الوقت الحالي. 

تتطلب المداومة على التدبر والتأمل التحلي بالانضباط والمثابرة. فإذا أردت من فريقك المداومة على تأمل الذات، راجع عاداتك الخاصة، واسأل نفسك: 

  • هل أتأمل وأتدبر أموري بانتظام؟
  • كيف أُنمي عادة تأمل الذات؟ 
  • كيف أُرسي ثقافة تأمل الذات في فريقي؟

ستساعدك هذه الأسئلة على تشجيع الفريق على الاستفادة من تأمل الذات والاستعانة به كأداة بناءة للنمو والتطور.

في ظل عالم متقلب ومليء بالشكوك والتعقيدات والغموض، عندما تتبنى عقلية قيادية، سوف تصبح قادراً على التكيف والصمود أمام مختلف الظروف مع التحلي بالمرونة العاطفية. ستتمكن من تطوير من حولك عبر توفير التوجيه والإرشاد اللازم لهم، وستنجح في تحفيزهم للتطور عبر التواصل معهم بفعالية. يمكنك تنمية عقلية قيادية بالتحلي بالتواضع والقيادة بالقدوة وتبني عقلية النمو والإبداع، وذلك من خلال الحرص على التعلُّم المستمر وتأمل الذات.

عقلك أداة قوية تتحكم فيمن تكون وكيف تتصرف وكيف تقود الآخرين وتتفاعل معهم. إذا تحلّيت بعقلية قيادية سيدفعك ذلك إلى التميز كقائد، وبذلك ستتمكن من إلهام التغيير، وتحفيز فرق العمل، واتخاذ القرارات الصعبة، والاجتهاد لتحقيق النمو على كل من المستويين الشخصي والجماعي.

تقدم نوليدج سيتي في هذا الصدد العديد من الدورات التدريبية للمساعدة على تبني عقلية قيادية وعلى تطوير المهارات القيادية. شاهد دورتنا التدريبية “إعداد القادة” لتكتشف المزيد عن مفهوم القيادة وكيفية تبني عقلية قيادية و كيف يؤثر أسلوبك وشخصيتك على كفاءتك كقائد.

المقال التالي
المقال السابق
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

اشترك في نشرتنا الدورية

انضم إلى أكثر من 80,000 من خبراء الموارد البشرية واحصل على أفضل النصائح والإرشادات المتعلقة بالتدريب والتوظيف مباشرة على بريدك الإلكتروني. انضم وكُن من أفضل مديري الموارد البشرية الآن.

حدد المواضيع التي ترغب في الاشتراك فيها